منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - فضل الأيام العشر من ذي الحجة !
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-09-11, 22:34   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي



الوقفة الرابعة / عن أقوال المذاهب الفقهية المشهورة وغيرهم في استحباب صيام هذه الأيام.
أولاً:المذهب الحنفي.
1-قال علاء الدين الكاساني ـ رحمه الله ـ في كتابه "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع"(2/108):
ولا بأس بقضاء رمضان في عشر ذي الحجة، وهو مذهب عمر وعامة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إلا شيئاً حكي عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: يكره فيها، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قضاء رمضان في العشر، والصحيح قول العامة لقوله تعالى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } مطلقاً من غير فصل، ولأنها وقت يستحب فيها الصوم، فكان القضاء فيها أولى من القضاء في غيرها، وما روي من الحديث غريب في حدِّ الأحاديث، فلا يجوز تقييد مطلق الكتاب، وتخصيصه بمثله، أو نحمله على الندب في حق من اعتاد التنفل بالصوم في هذه الأيام، فالأفضل في حقه أن يقضي في غيرها لئلا تفوته فضيلة صوم هذه الأيام، ويقضي صوم رمضان في وقت آخر، والله أعلم بالصواب.اهـ
2-وبنحوه في كتاب "المبسوط"(3/ 92) لشمس الدين السرخسي ـ رحمه الله ـ.
3-جاء في "الفتاوى الهندية"(1/ 201):
ويستحب صوم تسعة أيام من أول ذي الحجة كذا في "السراج الوهاج".اهـ
ثانياً:المذهب المالكي.
1-قال ابن رشد القرطبي في كتابه " المقدمات الممهدات"(1/ 242):
وصيام عشر ذي الحجة ومنى وعرفة مرغب فيه.اهـ
2-جاء في "حاشية الصاوي على الشرح الصغير"(1/ 691):
(و) ندب (صوم) يوم (عرفة لغير حاج) وكره لحاج، أي لأن الفطر يقويه على الوقوف بها.
(و) ندب صوم (الثمانية) الأيام (قبله) أي عرفة.اهـ
3- جاء في "شرح مختصر خليل" للخرشي (3/ 16-17):
(ص) وصوم يوم عرفة إن لم يحج وعشر ذي الحجة.
(ش): يريد أن صوم يوم عرفة مستحب في حق غير الحاج، وأما هو فيستحب فطره ليتقوى على الدعاء، وقد أفطر النبي صلى الله عليه وسلم في الحج، وأن صيام عشر ذي الحجة مستحب.اهـ
4- جاء في كتاب "منح الجليل شرح مختصر خليل"(2/ 119):
(و) ندب صوم باقي غالب (عشر ذي الحجة).اهـ
ثالثاً:المذهب الشافعي.
1-قال النووي ـ رحمه الله ـ في كتابه "روضة الطالبين"(2/ 388):
ومن المسنون، صوم عشر ذي الحجة، غير العيد.اهـ
2-وقال أبو بكر الحصني ـ رحمه الله ـ في كتابه " كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار"(1/ 207):
ويستحب صوم عشر ذي الحجة.اهـ
3-جاء في كتاب "غاية البيان شرح زبد ابن رسلان"(1/ 158):
يسن صوم عشر ذي الحجة غير العيد (وست شوال) بعد يوم العيد.اهـ
رابعاً:المذهب الحنبلي.
1- قال المرداوي ـ رحمه الله ـ في كتابه "الإنصاف"(3/ 345):
قوله: "ويستحب صوم عشر ذي الحجة".
بلا نزاع، وأفضله يوم التاسع، وهو يوم عرفة، ثم يوم الثامن، وهو يوم التروية، وهذا المذهب وعليه الأصحاب.اهـ
2-قال مجد الدين أبو البركات ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في كتابه "المحرر في الفقه"(1/ 231):
ومن السنة إتباع رمضان بست من شوال، وإن أفردت، وصوم عشر ذي الحجة، وآكده يوم التروية وعرفة.اهـ
3-قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في "شرح العمدة"(2/553 ـ قسم الصيام):
قال أصحابنا: "ويستحب صوم عشر ذي الحجة".
وفي الحقيقة المعني: صوم تسع ذي الحجة، وآكدها يوم التروية وعرفة.اهـ
خامساً:المذهب الظاهري.
قال ابن حزم ـ رحمه الله ـ في كتابه "المحلى"7/19مسألة رقم:794):
ونستحب صيام أيام العشر من ذي الحجة.اهـ
وأخيراً: قال ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "لطائف المعارف"(ص386:
وممن كان يصوم العشر عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهماـ، وقد تقدم عن الحسن وابن سيرين وقتادة ذكر فضل صيامها، وهو قول أكثر العلماء أو كثير منهم.اهـ
وقال في كتابه "فتح الباري"(6/ 119):
وقد كان عمر يستحب قضاء رمضان في عشر ذي الحجة، لفضل أيامه، وخالفه في ذلك علي، وعلل قوله باستحباب تفريغ أيامه للتطوع، وبذلك علله أحمد وإسحاق، وعن أحمد في ذلك روايتان.اهـ
الوقفة الخامسة / عن الآثار الواردة عن السلف الصالح في مشروعية صيام هذه الأيام.
ومن هذه الآثار:
أولاً: ما نقل عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
فقد قال عبد الرزاق ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(4/257رقم:7715):
عن الثوري عن عثمان بن موهب قال: (( سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَالَ: إِنَّ عَلِيَّ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ، أَفَأَصُومُ الْعَشْرَ تَطَوُّعًا؟ قَالَ: لَا، [ بل] ابْدَأْ بِحَقِّ اللَّهِ، ثُمَّ تَطَوَّعْ بَعْدُ مَا شِئْتَ )).
وإسناده صحيح.
وأخرجه البيهقي ـ رحمه الله ـ في "سننه"(8395).
تنبيه:
ما بين القوسين من عند البيهقي، وفي المطبوع من "المصنف": [ ولم ] وهو خطأ، والله أعلم.
ثانياً: ما نقل عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ.
فقد قال ابن الجعد ـ رحمه الله ـ في "مسنده"( 2247):
أنا شَريك عن الحُرِّ بن الصَّيَّاح قال: (( جَاوَرْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَرَأَيْتُهُ يَصُومُ الْعَشْرَ )).
وقال إسحاق بن هانئ النيسابوري ـ رحمه الله ـ في "مسائله عن الإمام أحمد"(ص:143 رقم:670):
سمعت أبا عبد الله يقول: حديث وكيع عن شَريك عن الحر بن صَيَّاح: (( رأيت ابن عمر يصوم عاشوراء، ورأيت ابن عمر يصوم العشر بمكة )).
حديث الحر بن صيَّاح حديث منكر، نافع أعلم بحديث ابن عمر منه.اهـ.
ثالثاً: ما نقل عن إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ـ رحمهما الله ـ.
فقد قال عبد الرزاق ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(2/256رقم:7713):
عن الثوري عن حماد، قال: (( سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ عَلَيْهِ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ أَيَتَطَوَّعُ فِي الْعَشْرِ؟ قَالَا: يَبْدَأُ بِالْفَرِيضَةِ )).
وسنده صحيح.
رابعاً: ما نقل عن عطاء بن أبي رباح ـ رحمه الله ـ.
فقد قال عبد الرزاق ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(2/256رقم:7713):
عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: (( كُرِهَ أَنْ يَتَطَوَّعَ الرَّجُلُ بِصِيَامٍ فِي الْعَشْرِ، وَعَلَيْهِ صِيَامٌ وَاجِبٌ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ صُمِ الْعَشْرَ، وَاجْعَلْهَا قَضَاءً )).
وإسناده صحيح.
خامساً: ما نقل عن محمد بن سيرين ـ رحمه الله ـ.
فقد قال ابن أبي شيبة ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(9221):
حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون، قال: (( كَانَ مُحَمَّدٌ يَصُومُ الْعَشْرَ عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ كُلِّهِ )).
وإسناده صحيح.
سادساً: ما نقل عن الحسن البصري ـ رحمه الله ـ.
فقد قال عبد الرزاق ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(8216):
عن جعفر بن سليمان عن هشام عن الحسن قال: (( صِيَامُ يَوْمٍ مِنَ الْعَشْرِ يَعْدِلُ شَهْرَيْنِ )).
وإسناده حسن إن شاء الله.
وأخرجه من طريقه الطبراني ـ رحمه الله ـ في " فضل عشر ذي الحجة"(25).
وقال ابن أبي شيبة (9287):
حدثنا غُندَر عن سعيد عن قتادة عن الحسن: (( أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِصِيَامٍ وَعَلَيْهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ إِلَّا الْعَشْرَ )).
وإسناده صحيح.
سابعاً: ما نقل عن مجاهد بن جبر وعطاء بن أبي رباح ـ رحمهما الله ـ.
فقد قال ابن أبي شيبة ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(9222):
حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن ليث قال: (( كَانَ مُجَاهِدٌ يَصُومُ الْعَشْرَ، قَالَ: وَكَانَ عَطَاءٌ يَتَكَلَّفُهَا )).
وفي سنده ليث، وهو ابن أبي سُليم، وقد قال عنه ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ في كتابه "التقريب"(5685):
صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه فترك.اهـ
ثامناً: ما نقل عن سعيد بن المسيب ـ رحمه الله ـ.
فقد قال البخاري ـ رحمه الله ـ في "صحيحه"(عند حديث رقم: 1950) جازماً:
وقال سعيد بن المسيب في صوم العشر: (( لاَ يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ )).
وقال ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح الباري"(4/ 223 رقم:1950) عقبه:
وظاهر قوله جواز التطوع بالصوم لمن عليه دين من رمضان إلا أن الأولى له أن يصوم الدَّين أولاً، لقوله: (( لا يصلح )) فإنه ظاهر في الإرشاد إلى البُداءة بالأهم والآكد.اهـ
تاسعاً: ما نقل عن الزهري ـ رحمه الله ـ.
فقد قال عبد الرزاق ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(7710):
عن معمر عن الزهري: (( كُرِهَ أَنْ يُقْضَى رَمَضَانُ فِي الْعَشْرِ )) قال معمر: وأخبرني مَن سمع الحسن يقوله.اهـ
وإسناده صحيح.
وقد تقدم عن الإمام أحمد بن حنبل وأبي عبيد وإسحاق بن راهويه ـ رحمهم الله ـ وغيرهم أن كراهة من كره قضاء رمضان في العشر إنما هي لأجل أنه يفوت التطوع بصيامها، لأنه يستحب فيها الإكثار من العمل.
عاشراً: ما نقل عن هشام بن حسان ـ رحمه الله ـ.
فقد قال عبد الرزاق ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(7711):
عن هشام بن حسان أنه: (( كَرِهَ قَضَاءَ رَمَضَانَ فِي الْعَشْرِ )).
وإسناده صحيح.
وهذه الآثار جميعها ظاهرة في أن التطوع بصيام أيام العشر كان معروفاً في عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم ـ رضي الله عنهم ورحمهم ـ.
الوقفة السادسة / عن الإجابة على حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ: (( مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ )).
وسوف يكون الكلام عن هذا الحديث من جهتين:
الأولى:عن تخريجه ودرجته.
هذا الحديث قد أخرجه مسلم ـ رحمه الله ـ في "صحيحه"(1176) من طريق الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
إلا أنه اختلف على إبراهيم النخعي في وصله وإرساله، فوصله عنه الأعمش، وأرسله منصور.
وقد اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في أيهما أثبت في إبراهيم.
فقال ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "شرح علل الترمذي"(1/ 271):
ذكر علي بن المديني عن يحيى بن سعيد قال: "ما أحد أثبت عن مجاهد وإبراهيم من منصور، قلت ليحيى: منصور أحسن حديثاً عن مجاهد من أبي نجيح؟ قال: نعم، وأثبت، وقال: منصور أثبت الناس".
وقال أحمد حدثني يحيى قال: قال سفيان: "كنت إذا حدثت الأعمش عن بعض أصحاب إبراهيم قال، فإذا قلت: منصور سكت".
وقال ابن المديني عن يحيى عن سفيان قال: "كنت لا أحدث الأعمش عن أحد إلا ردَّه، فإذا قلت: منصور سكت".
وذكر ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين قال: "لم يكن أحد أعلم بحديث منصور من سفيان الثوري"
ورجحت طائفة الأعمش على منصور في حفظ إسناد حديث النخعي.
قال وكيع: "الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور".
وقد ذكره الترمذي في باب التشديد في البول من "كتاب الطهارة"، واستدل به على ترجيح قول الأعمش في حديث ابن عباس في القبرين: "سمعت مجاهداً يحدث عن طاووس عن ابن عباس".
وأما منصور فرواه عن مجاهد عن ابن عباس.
وكذلك ذكره أيضاً في "كتاب الصيام " في باب صيام العشر، واستدل به على ترجيح رواية الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: (( مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ )) على قول منصور، فإنه أرسله.
ورجحت طائفة الحكم، قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي: "من أثبت الناس في إبراهيم؟ قال: الحكم ثم منصور".
وقال أيضاً: قلت لأبي: أي أصحاب إبراهيم أحب إليك؟ قال: الحكم ثم منصور، ما أقربهما، ثم قال: كانوا يرون أن عامة حديث أبي معشر إنما هو عن حماد - يعني ابن أبي سليمان".
وقال حرب عن أحمد: "كان يحيى بن سعيد يقدم منصوراً والحكم على الأعمش".
وقال ابن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: "أي أصحاب إبراهيم أحب إليك؟ قال : الحكم ومنصور، قلت: أيهما أحب إليك؟ قال: ما أقربهما".اهـ
وقد ذكر الدارقطني ـ رحمه الله ـ هذا الحديث في "التتبع"(ص:529) وقال عقب سوقه عن لأعمش موصولاً:
وخالفه منصور، رواه عن إبراهيم مرسلاً.اهـ
وقال في "العلل"(15/ 74-75رقم:3847):
يرويه إبراهيم النخعي، واختلف عنه، فرواه الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة.
ولم يختلف عن الأعمش فيه، حدث به عنه: أبو معاوية وحفص بن غياث ويعلى بن عبيد وزائدة بن قدامة و... بن سليمان والقاسم بن معن وأبو عوانة.
واختلف عن الثوري، فرواه ابن مهدي عن الثوري عن الأعمش كذلك.
وتابعه يزيد بن زريع، واختلف عنه، فرواه حميد المروزي عن يزيد بن زريع عن الثوري عن الأعمش، مثل قول عبد الرحمن بن مهدي.
وحدث به شيخ من أهل أصبهان، يعرف بعبد الله بن محمد بن النعمان عن محمد بن منهال الضرير عن يزيد بن زريع عن الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة.
وتابعه معمر بن سهل الأهوازي عن أبي أحمد الزبيري عن الثوري.
والصحيح عن الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك رواه أصحاب منصور عن منصور مرسلاً، منهم فضيل بن عياض وجرير.اهـ
وقال ابن أبي حاتم ـ رحمه الله ـ في كتابه "العلل"(781):
وسألت أَبِي وأبا زُرعة: عن حديث رواه أبو عوانة
عن الأعمش، عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، قالت: (( ما رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَامَ العَشْرَ مِنْ ذِي الحجَّة قَطُّ )).
ورواه أبو الأحوص، فقال: عن منصور عن إبراهيم عن عائشة؟.
فقالا: هذا خطأٌ.
ورواه الثوري عن الأعمش ومنصور عن إبراهيم، قال حُدِثت عن النبي صلى الله عليه وسلم.اهـ
وقال الترمذي ـ رحمه الله ـ في "سننه"(756):
هكذا روى غير واحد عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة.
وروى الثوري وغيره هذا الحديث عن منصور عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم: (( لَمْ يُرَ صَائِمًا فِي العَشْرِ )).
وروى أبو الأحوص عن منصور عن إبراهيم عن عائشة، ولم يذكر فيه: عن الأسود.
وقد اختلفوا على منصور في هذا الحديث.
ورواية الأعمش أصح وأوصل إسناداً.
وسمعت محمد بن أبان يقول: سمعت وكيعاً يقول: الأعمش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور.اهـ
وقال ابن رجب ـ رحمه الله ـ في كتابه "لطائف المعارف"(ص368):
وقد اختلف جواب الإمام أحمد عن هذا الحديث فأجاب مرة بأنه قد روي خلافه، وذكر حديث حفصة، وأشار إلى أنه اختلف في إسناد حديث عائشة، فأسنده الأعمش، ورواه منصور عن إبراهيم مرسلاً.اهـ
وقد صحح الموصول:
مسلم والترمذي وابن خزيمة وابن حبان والبغوي والألباني ومقبل الوادعي وربيع بن هادي المدخلي.
الثانية:عن الجواب عنه.
أجيب عن حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ هذا بعدة أجوبة، ومنها:
أولاً: أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم لصيامه قد يكون لعارض من مرض أو سفر أو غيرهما.
وقد أشار إلى هذا الجواب أبو العباس القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم"(3/ 253-254 رقم:1046) والنووي في "شرح صحيح مسلم"(8/ 320 رقم:1176) وابن باز كما في "مجموع فتاويه"(15/ 418) وغيرهم.
ثانياً: أنه يحتمل أن تكون عائشة لم تعلم بصيامه صلى الله عليه وسلم فإنه كان يقسم لتسع نسوة فلعله لم يتفق صيامه في نوبتها.
وقد أشار إلى هذا الجواب أبو بكر الأثرم في "ناسخ الحديث ومنسوخه"(ص:151 بعد رقم:323) والنووي في "شرح صحيح مسلم"(8/ 320 رقم:1176) و محب الدين الطبري في "غاية الإحكام في أحاديث الأحكام"(4/ 472 رقم:8406)، وغيرهم.
ثالثاً: أن تركه صلى الله عليه وسلم قد يكون خشية أن يفرض على أمته، كما نقل عنه في مواضع متعددة.
وقد أشار إلى هذا الجواب أبو العباس القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم"(3/ 254 رقم:1046 ) وابن حجر العسقلاني في "فتح الباري"(2/ 534 رقم:969 ).
وأشار إليه قبلهما ابن خزيمة ـ رحمه الله ـ في "صحيحه"( 2103) فقد بوب فقال:
باب ذِكر إفطار النبي صلى الله عليه وسلم في عشر ذي الحجة.
وذكر تحته حديث عائشة، ثم أتبعه بهذا الباب:
باب ذِكر عِلَّة قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يترك لها بعض أعمال التطوع، وإن كان يحث عليها، وهي خشية أن يفرض عليهم ذلك الفعل مع استحبابه صلى الله عليه وسلم ما خُفِّف على الناس من الفرائض.
رابعاً: أن تركه صلى الله عليه وسلم قد يكون لأجل أنه إذا صام ضعف عن أن يعمل فيها بما هو أعظم منزلة من الصوم.
وقد أجاب بهذا الجواب الطحاوي ـ رحمه الله ـ في كتابه "شرح مشكل الآثار"(7/ 418-419 رقم:2973).
خامساً: أن عائشة قد تكون أرادت أنه لم يصم العشر كاملاً.
وقد أجاب بهذا الجواب الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ كما في "لطائف المعارف"(ص:368).
الوقفة السابعة والأخيرة / عن القول بعدم استحباب أو كراهية أو بدعية صيام عشر ذي الحجة.
قد بحثت هذه المسألة في كتب كثيرة في الحديث وشروحه وتخريجاته، والفقه ومختصراته ومطولاته ومذاهبه، والتفسير وأحكام القرآن، والرسائل المتعلقة بأيام العشر وفضائلها وأحكامها وأحاديثها، وفتاوى العلماء المشهورين من مختلف العصور والمذاهب، وغيرها.
وعاودت البحث والمراجعة مرات عديدة، ومع ذلك فلم أقف على أحد ممن تقدم من السلف الصالح أو ممن بعدهم من الفقهاء المشهورين وأصحابهم أنه قال: بعدم استحباب صيام هذه الأيام، أو كراهته، أو أنه بدعة، وإنما وجدت إشارة من بعض من أجاب عن حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ كالطحاوي وابن قيم الجوزية وابن رجب الحنبلي ـ رحمهم الله ـ قد توحي بوجود خلاف بين العلماء، لكن من دون ذكر لأحد بعينه، وأخشى أن يكون مرادهم من ذلك هو اختلافهم في صيام النبي صلى الله عليه وسلم للعشر لا الاختلاف في مشروعية صيام العشر، وقد جاءت إشارتهم هذه عند الجمع بين الأحاديث الواردة في صيام النبي صلى الله عليه وسلم للعشر وعدمه، والله تعالى أعلم.
فجزى الله طالب علم نبيه وقف على ما لم أقف عليه فأرشدني وأفادني، إذ المرء يقوى بأخيه وينتفع ويُسدد.
وقد سُئل شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ كما في "مجموع فتاويه"(15/ 418) هذا السؤال:
"ما رأي سماحتكم في رأي من يقول صيام عشر ذي الحجة بدعة؟":
فأجاب بقوله: هذا جاهل يعلم....اهـ
وقال محمد بن صالح بن عثيمين ـ رحمه الله ـ كما في "اللقاء الشهري"(رقم:199):
لذلك نحن نأسف لبعض الناس الذين شككوا المسلمين في هذه القضية، وقالوا: إن صيامها ليس بسنة.
سبحان الله! أنا أخشى أن يعاقبهم الله عز وجل يوم القيامة، كيف يقول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: (( ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر )) وندع العمل الصالح الذي قال الله تعالى: (( إنه لي وأنا أجزي به )) سبحان الله! لذلك يجب أن نرد هذه الدعوة على أعقابها فتنقلب خاسئة.اهـ
وفي الختام أقول:
ما كان في هذا الجزء من إصابة فبفضل الله تعالى وتوفيقه، وما كان من خطأ فمن نفسي، وأستغفر الله منه، وحسبي أني لم أتقصده.
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد









رد مع اقتباس