منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - القواعد الذهبية للعلاقات الزوجية في ضوء القرآن الكريم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-08-26, 10:18   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

ثالثاً: - إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان:


المعاشرة بالمعروف ليست خياراً للأزواج، فمن شاء فعلها، ومن شاء تركها، بل أمرت بها الشريعة على وجه اللزوم والحتم في الجملة، ويظهر هذا جلياً في قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}([1]) وليس ثمت خيار ثالث.


وقوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} في آيات الطلاق، بمعنى قوله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف}([2]) في آيات النكاح، وكلاهما يدلان على وجوب المعاضرة الحسنة، والمعاملة الطيبة، قال ابن عباس - رضي الله عنهما – في رواية علي بن أبي طلحة، عند تفسير قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} قال: (فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحبتها {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} قال: يسرحها، ولا يظلمها حقها)([3]).


وفسَّر أبو جعفر الطبري قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} بقول الضحاك: (المعروف أن يحسن صحبتها) ([4])وفسَّر ابن عطية الإمساك بالمعروف بقوله (حسن العشرة، والتزام حقوق الزوجية)([5]) وقال الهراسي: (وإنما أباح الله تعالى إمساكا على وصف، وهو أن يكون بمعروف، وهو وقوعه على وجه يحسن ويجمل، ولا يقصد به الإضرار بها، على ما ذكره في قوله: {ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} فإنه إنما أباح الرجعة على هذه الشريطة، ومتى راجع بغير معروف كان عاصيًا)([6]).


ولكي نعلم تأكد إمساك المرأة بمعروف، وتحتم ذلك، نذكر أن بعض العلماء جعل ذلك شرطاً في صحة رجعة المطلقة، استدلالاً بقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا}([7]).


قال السعدي بعد أن ذكر الخلاف في مفهوم الشرط: (والصحيح أنه إذا لم يرد الإصلاح لا يملك ذلك – يعني الرجعة - كما هو ظاهر الآية)([8])، وهذا ظاهر عبارة ابن العربي فإنه قال: (إن قصد بالرجعة إصلاح حاله معها، وإزالة الوحشة بينهما، لا على وجه الإضرار... فذلك له حلال، وإلا لم تحل له... ولو تحققنا نحن ذلك المقصد منه – يعنى عدم إرادة الإصلاح – لطلقنا عليه)([9]).


وقال الشنقيطي: (فالرجعة بقصد الإضرار حرام إجماعاً، كما دل عليه مفهوم الشرط المصرح به في قوله: {ولا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} الآية، وصحة رجعته حينئذ باعتبار ظاهر الأمر، فلو صرح للحاكم بأنه ارتجعها بقصد الضرر لأبطل رجعته)([10]).


رابعاً: - مظاهر المعاشرة بالمعروف:


للمعاشرة بالمعروف مظاهر شتى، بعضها واجب، وبعضها مندوب، وبقيتها من كمال المروءة، وجمال الرجولة، وقد سبق بيان شيء من مظاهر المعاشرة بالمعروف، كالنفقة والسكنى والتعليم وحسن الخلق، ومن ذلك أيضاً:


1 - الشعور بكرامتها، فهي تنتسب إلى أصل كريم، كما بين الله ذلك بقوله:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}([11]) والمرأة ترجع في أصلها إلى الرجل، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}([12]) وفي الحديث: «النساء شقائق الرجال» ([13])فليكن التكريم، وما ينضوي تحته من الاحترام والتقدير، والحب والوفاء، منطلق المعاملة، وأسلوب القول والفعل، وإطار ما هو مطلوب من أحدهما للآخر، والإنسان ذكراً كان أو أنثى يتفاعل مع التكريم، ويجتهد معه في الوفاء والإخلاص.


2 - امتثال قول الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ} فلما من الحقوق والواجبات مثل التي عليها، وعلى الزوج مراعاة ذلك، قال الضحاك في تفسير هذه الآية: «إذا أطعن الله، وأطعن أزواجهن، فعليه أن يحسن صحبتها، ويكف عنها أذاه، وينفق عليها من سعته»([14]).


وقال ابن عباس – رضي الله عنهما -: «إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله – تعالى ذكره - يقول: {وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ}([15]) وعلى الزوج أن يأتي ما يحب أن تأتيه امرأته، وأن يذر ما تحب أن تتركه، امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»([16]) متفق عليه، ويندرج في هذا: التزين، وتجميل الهيئة، والتعطر، والبعد عن الروائح الكريهة... الخ.


3 - العمل الدائب على كسب قلب الزوجة، وجعلها تحن إليه كلما أبعد، وتخشى عليه كما تخشى على نفسها أو أشد.


ويتحقق هذا إذا كان الزوج مصدر إسعاد، وعامل أنس، ومكمن عطاء، ومنبع فيض، وفي الحديث: «أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سروراً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطعمه خبزاً»([17]) والقاعدة الشرعية التي ينبغي أن يراعيها كل مسلم هي «ابدأ بمن تعول»([18]).

وينبغي للزوج أن لا ينسى الهدية بين الفنية والفينة، إذ إن لها أثراً كبيراً في كسب ودِّ الزوجية، وتجدد حبها وعطائها، وفي الحديث: «تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء»([19]).

ومن العوامل المهمة في كسب قلب المرأة إظهار المحبة قولاً وفعلاً، والقدوة في هذا الشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أقواله لعائشة: «كنت لك كأبي زرع لأم زرع» ([20])، يعني في المحبة والوفاء، وسائر خصال الخير، التي اتصف بها أبو زرع.


ومن الثناء على الزوجة قول الرسول صلى الله عليه وسلم «أحب الناس إلي عائشة، ومن الرجال أبوها»([21]) متفق عليه.


ومن أفعاله – صلى الله عليه وسلم – تودداً وإظهاراً للمحبة، قول عائشة –رضي الله عنها - «كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في»([22]) رواه مسلم.


والعرق: بإسكان الراء، العظم إذا بقي عليه لحم رقيق، وتعرق العظم: إذا أخذ اللحم عنه نهشاً بأسنانه([23]).


ومن أفعاله صلى الله عليه وسلم قول عائشة: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ولكنكه أملككم لإربه» ([24] ولا يخفي أن مص العظم بعد فم الحائض، وتقبيل الزوجة وهو صائم، لا ينبعث من شهوة، لوجود المانع، فلم يبق إلا الملاطفة، وإظهار المحبة، وإشاعة المرح والفرح، وإضفاء جو من السعادة.


وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى اللقمة تجعلها في فيّ امرأتك»([25] قال النووي: (وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله: «حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك»؛ لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية، وشهواته وملاذه المباحة، وإذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة، والتلذذ بالمباح، فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة، وأمور الآخرة، ومه هذا فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى حصل له الأجر)([26]).

[1]) ) سورة البقرة, الآية: 229.

[2]) ) سورة النساء, الآية: 19.

[3]) ) -رواه ابن جرير (4/548) طبعة شاكر, وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (1/297).

[4]) ) تفسير الطبري (4/548).

[5]) ) المحرر الوجيز (1/306).

[6]) ) حكام القرآن للهراسي (1/172).

[7]) ) سورة البقرة, الآية: 228.

[8]) ) تيسير الكريم الرحمن (ص:102) ومذهب الجمهور صحة الرجعة مع الإثم, انظر نفس المصدر, وتفسير الطبري (4/529), والجامع لأحكام القرآن (3/124).

[9]) ) أحكام القرآن لابن العربي (1/188), باختصار.

[10]) ) أضواء البيان (1/219).

[11]) ) سورة الإسراء, الآية: 70.

[12]) ) سورة النساء, الآية: 1.

[13]) ) رواه أحمد (6/256) والترمذي, كتاب الطهارة, ح (113) (1/189) وصححه محققه أحمد شاكر.

[14]) ) رواه ابن جرير (4/531) طبعة شاكر.

[15]) ) المصدر السابق, الصفحة التالية, من رواية عكرمة بسند صحيح.

[16]) ) صحيح البخاري, كتال الإيمان, ح (12), (1/17) وسلم كتاب الإيمان, ح (45) (7/67).

[17]) ) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب قضاء الحوائج, ح(112) ص:95, و البيهقي في شعب الإيمان, ح (7678) (6/123) بنحوه, وهو حديث حسن, انظر: صحيح الجامع الصغير, ح(1096) (1/247), وقال العجلوني في كشف الخفاء ح(451) (1/152): ضعفه المنذري, لكنه حسن لشواهده.

[18]) ) رواه البخاري, كتاب الزكاة, ح(30) (2/228).

[19]) ) رواه مالك في الموطأ, كتاب الجامع, ح(1642) (ص:653) وحسنه الحافط ابن حجر في تلخيص الحبير (3/69) والألباني في صحيح الجامع الصغير ح (3004) (1/577).

[20]) ) البخاري, كتاب النكاح, ح (119) (7/49) ومسلم, كتاب فضائل الصحابة, ح(3488) (4/1896).

[21]) ) البخاري, كتاب المناقب, ح(162) (5/68) ومسلم كتاب فضائل الصحابة, ح(2348) (4/1856).

[22]) ) صحيح مسلم, ح(300) (1/245).

[23]) ) انظر تهذيب اللغة (عرق) (1/224).

[24]) ) رواه البخاري, كتاب الصوم, ح (35) (3/69) ومسلم كتاب الصيام, ح(1106) (2/777).

[25]) ) رواه البخاري, كتاب الوصايا, ح(5) (4/47) ومسلم, كتاب الوصية, ح(1628) (3/1250).

[26]) ) صحيح مسلم بشرح النووي (11/77).










رد مع اقتباس