منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - لماذا يصلي المسلم ؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-08-17, 22:16   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي لماذا يصلي المسلم ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة

إن الحمد لله ونحمده, ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين. أما بعد:


فإن حاجة الناس إلى معرفة حقيقة الصلاة, ومعرفة فوائدها وأسرارها أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الصلاة هدية الله للمؤمنين, ولذة نفوس الخاشعين, وبستان العابدين, يجنون من ثمارها السعادة الأبدية ويتحصنون بها من الشرور والآفات الدنيوية.
لهذا أحببت أن أبين جملة من فوائد الصلاة وثمراتها, وحكمها, وأسرارها ومقاصدها, ومن خلال ما ورد في بعض الآيات القرآنية, والأحاديث النبوية, وما فهمه واستنبطه العلماء الراسخون الذين جمعوا بين العلم, والفهم, والعمل, واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقاموا بأداء الصلاة بصدق وإيمان, كما تدارسوا علومها بدقة وإمعان.


الصلاة صلة حقيقية , ومدرسة خلقية




إن الصلاة الخاشعة الخاضعة عبارة عن صلة فريدة وعلاقة حقيقية تقوم بين العبد وربه, يقف العبد فيها بين يدي ربه مكبرا معظما له, يتلو كتابه ويسبحه ويمجده, ويسأله ما شاء من حوائجه الدينية والدنيوية, فهي صلة ومظهر علاقة حقيقية بين الخالق والمخلوق, فالصلاة استجابة لغريزة الافتقار والضعف والدعاء, وغريزة الالتجاء والاعتصام والمناجاة, والاطراح على عتبة القوي الغني الكريم الرحيم السميع المجيب([1]).


وقد شرع افتتاح الصلاة بالتكبير, وهو لفظ «الله أكبر» تلك الكلمة البليغة الواضحة, المجلجلة المدوية, القاطعة الفاصلة, التي يخشع أمامها الجبابرة, ويهوي لها كل صنم, فهي شهادة بعظمة الله وكبريائه, وتحطيم للطواغيت والمتجبرين والأدعياء الذين يعتدون على ألوهية الله سبحانه وتعالى, ويريدون أن يغتصبوا سلطانه, فالعبد إذا قال: «الله أكبر» كان الله أكبر عنده من كل شيء([2]).


ثم يقرأ المصلي سورة الفاتحة, وفي شأنها قال رسول الله صل الله عليه وسلم , قال الله تعالى: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين, ولعبدي ما سأل, فإذا قال العبد:
{وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله تعالى: حمدني عبدي, وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال الله تعالى: أثنى علي عبدي, وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}قال: مجدني عبدي, وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال: هذا بيني وبين عبدي, ولعبدي ما سأل, فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل([3])».


فهذا الحديث دليل على أن الله تعالى يستمع لقراءة المصلي حيث كان مناجيا له, ويرد عليه جواب ما يناجيه به كلمة كلمة([4]) والمراد قسمتها من جهة المعنى؛ لأن نصفها الأول تحميد لله تعالى وتمجيد وثناء عليه وتفويض إليه, والنصف الثاني سؤال وطلب وتضرع وافتقار.([5]).


وفي أول آية يقرؤها المصلي وهي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}يقرر فيها المصلي أن الرب الذي يعبده ويصلي له ليس هو رب أسرة أو قبيلة أو شعب أو بلد, وإنما هو رب العالمين, وبهذا يعلن المصلي وحدتين, وهما الدعامتان اللتان يقوم عليهما الأمن والسلام, وعليهما قام الإسلام في كل زمان ومكان وهما: وحدة الربوبية, والوحدة البشرية, فالرب سبحانه واحد, والناس سواسية, من غير فرق بين بلد وبلد, أو لون ولون([6]).


ثم يقرأ المصلي بعد الفاتحة ما تيسر له من القرآن الكريم.


ثم يتدرج المصلي في الخضوع والانحناء, فيفتتح أفعال الصلاة بالقيام, ويثني بالركوع ويثلث بالسجود, فلا يخر من ركوع, بل يقف وقفة خفيفة, ثم ينحني للسجود, ليكون ذلك أبلغ في الخشوع وأوقع في النفس, ويتدرج كذلك في التعظيم والتمجيد, فيقول في ركوعه: «سبحان ربي العظيم», ويقول في سجوده: «سبحان ربي الأعلى», ثم يضع أشرف أعضائه على أذل شيء في الوجود: الأرض التي هي موطئ الأقدام, فيجتمع للمصلي خضوع القلب, والجوارح, فيسجد بقلبه لله كما يسجد له بوجهه([7]) .


قيل لسهل بن عبد الله التستري: أيسجد القلب؟ قال : إي والله سجدة لا يرفع رأسه منها حتى يلقى الله عز وجل([8]). وهذه إشارة إلى إخبات القلب وذله وتواضعه وخضوعه وحضوره مع الله أينما كان العبد وكيف ما كان([9]).


فالصلاة هي العبادة الوحيدة التي يشترك في تأديتها جميع أعضاء الإنسان؛ لأن الصلاة الخاشعة الخاضعة التي أمر الله تعالى بها ليست مجرد أقوال يلوكها اللسان, أو حركات رياضية تؤديها الجوارح بلا تدبر, وليست نظاما عسكريا, لا إرادة فيه, ولا خيار, وإنما هي عمل يشترك فيه الجسم والعقل والقلب, ولكل منها نصيب غير منقوص, وكل فيها ممثل تمثيلًا حكيمًا عادلًا, فللجسم: قيام وركوع وسجود وانتصاب وانحتاء, وللسان: تلاوة وتكبير وتسبيح, وللعقل: تفكير وتدبر وتفهم وتفقه, وللقلب: خشوع وخضوع ورقة وتلذذ([10]).


والصلاة مركبة من خمسة أفعال: القراءة, والذكر, والقيام, والركوع, والسجود, ولكل فعا من هذه الأفعال سر وتأثير وعبودية ولا تحصل في غيره, فإذا ذاق المصلي طعم الصلاة علم أنه لايقوم مقام التكبير والفاتحة غيرهما, كما لا يقوم غير القيام والركوع والسجود مقامها([11]).


وكما أن المصلي يبدأ صلاته بداية عظيمة يدخل بها في حرمة الصلاة, فإنه يختمها خاتمة جميلة يخرج بها من الصلاة, فلا يقوم المصلي من صلاته مسرعا كأنه خرج من سجن, أو فرغ من غم, وإنما يختمها بخاتمة جميلة , مباركة طيبة, فيقول: « السلام عليكم ورحمة الله», يلتفت بها عن يمينه وعن شماله, يسلم على المصلين من المسلمين, وعلى الملائكة الشاهدين, شأنه شأن العائد من سفر, أو الحاضر من غيبة؛ لأنه لما أحرم بالصلاة أقبل على الله تعالى بكليته: بقلبه, وجوارحه, فانقطعت صلته بكل ما يحيط به([12]).

([1])ينظر: الأركان الأربعة للندوي: ص29.

([2])ينظر: الأركان الأربعة للندوي: ص34, وفي ظلال القرآن لسيد قطب: 2/1058.

([3])أخرجه مسلم: كتاب الصلاة, باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة, وإنه إذا لم يحسن الفاتحة, ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها: ص184 ح 395.

([4])ينظر: فتح الباري لابن رجب: 7/102

([5])ينظر: شرح مسلم للنووي: 4/103.

([6]) ينظر: الأركان الأربعة للندوي: ص39.

([7])ينظر: الأركان الأربعة للندوي: ص41, وأسرار الصلاة لابن القيم: ص94.

([8])-ينظر: مجموع الفتاوى: 21/287, ومدارج السالكين: 1/428.

([9])ينظر: أسرار الصلاة لابن القيم: ص98.

([10])ينظر: الأركان الأربعة للندوي: ص31.

([11])ينظر: أسرار الصلاة لابن القيم: ص78.

([12])ينظر: الأركان الأربعة للندوي: ص47.








 


رد مع اقتباس