منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - معالم في الوسطية والاعتدال ...
عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-05-07, 10:25   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أبومحمد17
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي معالم في الوسطية والاعتدال ...

معالم في الوسطية والاعتدال للعلامة الشيخ أبي الحسن مصطفى السليماني حفظه الله

مـن فقـه الــدعـوة




معالم في الوسطية والاعتدال
(1-2)
تأليف
أبي الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني
دار الحـديث بمـــــــــــــــــــأرب
بسم الله الرحمن الرحيم
معالم في الوسطية والاعتدال
الحمد لله وكفى ،وسلام على عباده الذين اصطفى ،أما بعد :
فإن دين الله ـ عز وجل ـ وسط بين الغالي فيه والجافي عنه ،وإن الشيطان حريص على إخراج المرء من طريق الاعتدال ،ولا يبالي أكان ذلك بتفريط منه أو إفراط ,والموفَّق من وفقه الله تعالى ،ولذا فالمؤمنون يدعون ربهم في أشرف عباداتهم ـ وهي الصلاة ـ قائلين إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) والمغضوب عليهم هم أهل الإفراط والغلو , والضالون هم أهل التفريط والجفاء ، ولا يلزم من ذلك أن كلا الطائفتين سالمة من عيب الأخرى ، فاليهود فيهم إفراط وجفاء ،والنصارى فيهم تفريط وغلو.. وبقدر فهْم المرء دينه فهما صحيحا بقدر تحقيقه ما أوجبه الله عليه في الاعتدال ،وعكسُه عكسُه ،ومن فهم مراد الله ـ عز وجل ـ ومراد رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولزم سبيل المؤمنين أمن الفتنة ، وكان مفتاح خير على نفسه وعلى غيره ، وانتفع ونفع ، وصلح وأصلح ، بخلاف من اضطرب في هذا الباب ، فإنه يبني ثم يهدم ، وربما كان ضرره أعظم من نفعه ، والتاريخ السابق واللاحق يدلان على ذلك دلالة واضحة .
ولأهمية هذا الأمر؛ فقد رأيتُ أن أوضحه ـ ما أمكن ـ في هذا الكتاب، وإن كان ذلك ارتجاليًّا وعلى عجالة بِحسب ما يتيسر لي جمعه ، إلا أني أرى أن هذا لايخلو من فائدة ،وإذا أفسح الله في العمر بوقت يناسب إعادة التصنيف والترتيب والتبويب ،وزيادة المادة ، أو حذف ما ليس مناسبا منها ، أو تقديم وتأخير فيها؛ فعلتُ إن شاء الله تعالى، وإلا فالمقصود قد حصل ـ ولله الحمد ـ على أنني سأهتم بذكر المسائل التي وقع بسبب الجهل بها فتن وتهارج بين الدعاة وطلاب العلم ، ففرّقتْ شملهم ، وزَرَعت البغضاء في صدورهم ، وأفسدت ذات بينهم، وشغلتهم عن نصرة دينهم ، وأشمَتت عدوهم بهم ؛ وذلك لعظم النفع بهذا البيان ، ولعظيم الحاجة إليه ، بخلاف كثير من المسائل التي ظهر فيها توسط أهل السنة بين انحراف أهل الأهواء،إذ الكثير من ذلك موضع اتفاق بين الدعاة إلى السنة اليوم ، ومع ذلك فهم مختلفون متنافرون !! فلا بد من طائفة في كل خلف ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، جعلنا الله وإياكم من هذه الطائفة المباركة ، وحشرنا في زمرتها .
ومعلوم أن أهل السنة هم أهل الوسط والاعتدال بين الفِرق والنِّحَل ، كما أن أهل الإسلام هم الوسط بين أهل الأديان والمِلَل .
وقبل الشروع في بيان وجه ذلك ، أذكر معنى الوسطية ، ونشأة مصطلح "أهل السنة والجماعة ".


المبحث الأول :- في تعريف الوسطية لغة وشرعاً
قال ابن فارس : الواو والسين والطاء ـ مادة وسط ـ هذه المادة تدل على العدل والنصف ، وأعدل الشيء أوسطه ووسطه " ا هـ . فكلمة "وسط " تضبط بسكون السين وفتحها، وعلى الأول فمعناها "بين" تقول :جلستُ وسْط القوم ، أي بينهم ، وعلى التحريك تأتي بمعنى : "خيار ـ وأفضل ـ وأجود" ومنه : مَرْعَى وسَط أي خيار ،وواسطة القلادة : الجوهر الذي وسَطها ،وهو أجودها ، وتأتي بمعنى :عَدلْ ، وأعدل الشيء أوسطه ، وتأتي بمعنى يدل على أن الشيء بين الجيد والرديء , قاله الجوهري وغيره ا هـ .ملخصا من "وسطية أهل السنة بين الفرق" (15 ـ17) إلا أن المعنى الأخير ليس مراداً في موضوعنا.
والوسطية في الشرع تدور على هذه المعاني اللغوية ، كما في قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا) (قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تُسبحون ) أي أعدلهم وخيرهم ، ومن حديث : " ... فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة أو أعلى الجنة " (خ ) أي أعدلها وأفضلها ، ومما يدل على الوسطية الحسية (فوسطْن به جمعا ) أي : دخلْن به وسط العدو ،
وقوله تعالى : (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) ا هـ ملخصا من " وسطية أهل السنة " (18 ـ22 ).
..والوسط بين الإفراط والتفريط ، فالإفراط :هو التقدم ، والإعجال ، والإسراف ومجاوزة الحد في الأمر، والزيادة فيه ، والتفريط:هو التقصير والتضييع ، كما في الحديث : " أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لايصلي الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى " ا هـ المصدر السابق .(26ـ28 ) .
وكذا الغلو والجفاء ، فالغلو: مجاوزة الحد ، ومنه غلا السعر يغلو غلاءً إذا ارتفع وزاد، قال تعالى :ـ (يا أهل الكتاب لاتغلو في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق ) وقال سبحانه :ـ (قل يا أهل الكتاب لاتغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل) وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم " إياكم والغلو في الدين ، إنما أهلك من كان قبلكم الغلو " وكل هذا يدل على نتائج الغلو وعاقبته الوخيمة ، والجفاء يدل على نُبُوّ الشيء عن الشيء ، ومن ذلك جفوت الرجل أجفوه ، والجفاء خلاف البر ،والجُفاء بضم الجيم ما نفاه السيل ورمى به،انظر بعضه في المصدر السابق .


المبحث الثاني :- نشأة مصطلح أهل السنة :
ذهب بعضهم إلى أن أول من تكلم به ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فيما أخرجه اللالكائي بسنده عنه في قوله تعالى : (يوم تَبْيضّ وجوه وتسْوَدّ وجوه ) قال : فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة وأولو العلم ، وأما الذين اسْوَدّت وجوههم :فأهل البدع والضلالة ا هـ ,إلا أن سنده لا يُحتج به .
ولذا فأول من استعمل هذا المصطلح ـ فيما أعلم ـ هو محمد بن سيرين ،فيما أخرجه مسلم في مقدمة صححيه بسنده إلى ابن سيرين انه قال : " كانوا لايسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة ، قالوا: سَمُّوا لنا رجالكم ، فيُنْظر إلى أهل السنة فُيؤخذ حديثهم ،ويُنْظر إلى أهل البدعة فيُردّ حديثهم ".

ثم تتابع الناس على استعمال هذا المصطلح :
ـ فقد قال أيوب السختياني (68 ـ131هـ) فيما أخرجه اللالكائي :"إني أُخْبَر بموت الرجل من أهل السنة ، وكأنّي أفقد بعض أعضائي " وقال أيضاً : "إن من سعادة الحَدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة ".
ـ وقال الثوري (ت161هـ):"استوصوا بأهل السنة خيراً ؛فإنهم غرباء " وقال :"ما أقلّ أهل السنة والجماعة " .
ـ وقال الفضيل بن عياض (ت187هـ):"...ويقول أهل السنة "الإيمان المعرفة والقول والعمل "
ـ وقال الإمام أحمد (164ــ 241 هـ):" ... هذه مذاهب أهل العلم ، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المتمسكين بعروتها ، المعروفين بها ، المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى يومنا هذا ........الخ ا هـ .ملخصا من "وسطية أهل السنة" (ص 41ـ ) مع زيادة مني .
ثم تعددت الأسماء لهذه الطائفة ، وكلها يدل على ما هم عليه من اعتقاد وعمل , فمن ذلك أن يقال لهم:
أهل السنة ، وأهل الجماعة ، وأهل الحديث ـ وقال شيخ الإسلام : "ونحن لانعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه،أوكتابته، أو روايته ، بل نعني بهم ؛كل من كان أحق بحفظه ومعرفته ظاهراً وباطناً,واتباعِه باطنا وظاهرا ,وكذلك أهل القرآن , وأدنى خصلة في هؤلاء:محبةُ القرآن والحديث، والبحثُ عنهما،وعن معانيهما ، والعمل بما علموه من موجبهما ،ففقهاء الحديث أخبر بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم من فقهاء غيرهم ، وصوفيتهم أتبع للرسول من صوفية غيرهم ، وأمراؤهم أحق بالسياسة النبوية من غيرهم ،وعامتهم أحق بموالاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم من غيرهم " ا هـ (4/95)المجموع.
ويقال لهم أيضاً : ـ أهل الأثر ،والفرقة الناجية ,والطائفة المنصورة ,والسواد الأعظم ،والجمهور الأكثر ـ قاله شيخ الإسلام "المجموع"(3/245) ويقال: ـ أهل العلم ، ويراد بهم أئمة السنة ، ويقال: السلف الصالح ،والسلفيون ،وأهل الاتباع ،والغرباء .
*(تنبيه):ذهب بعض الكتاب المعاصرين إلى أن أول من تسمى بأهل السنة والجماعة الاشاعرة ، ومما سبق من آثار عن التابعين ومن بعدهم ـ وهم قبل الأشعري نفسه فضلا عن أتباعه ـ يرد ذلك ويدفعه.
ويُراد بهذا المصطلح معنيان:
الأول : المعنى العام ,ويدخل فيه جميع المنتسبين إلى الإسلام إلا الرافضة ، فيقال : هذا رافضي ، وهذا سُنِّي ، وهذا هو اصطلاح العامة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :"لأن الرافضة هم المشهورون عندهم بمخالفة السنة ، فجمهور العامة لاتعرف ضد السني إلا الرافضي ، فإذا قال أحدهم : أنا سُنيِّ، فإنما معناه :لست رافضَّيا ـ "انظر مجموع الفتاوى " (3/356) .
الثاني :المعنى الخاص ، ويُراد به أهل السنة المحضة الخالصة من البدع ، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ جامعا للمعنيين : "فلفظ أهل السنة يُراد به من أثبت خلافة الثلاثة ، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة ، وقد يُراد به : أهل الحديث والسنة المحضة . فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ،ويقول : القرآن غير مخلوق ,وأن الله يُرى في الآخرة ،ويُثبت القَدر،وغير ذلك من الأمور المعروفة عند أهل الحديث والسنة "انظر "منهاج السنة " (2/163) ا هـ ملخصا من "وسطية أهل السنة (ص47).








 


رد مع اقتباس